لوحات تحت الظلام.. فنانات أفغانستان يناضلن في مواجهة القمع والنسيان

لوحات تحت الظلام.. فنانات أفغانستان يناضلن في مواجهة القمع والنسيان
كهوف باميان في أفغانستان - أرشيف

في قلب أفغانستان، تجتمع بقايا حضارات قديمة، وتفاصيل تاريخ طويل من التفاعل الثقافي والديني، ومن بين أبرز الملامح الفنية التي تركتها العصور القديمة، تبرز الرسوم الجدارية في كهوف باميان التي تعود إلى القرون: من الخامس حتى التاسع الميلادي، رسمها رهبان بوذيون بألوان معدنية طبيعية، واتسمت بأسلوب هندي-يوناني، تأثر لاحقًا بالفن الكوشاني والهلنستي بعد فتوحات الإسكندر المقدوني.

وفي بدايات القرن السابع الميلادي، تراجعت الفنون التصويرية بفعل المعتقدات الدينية، غير أن فن المنمنمات ازدهر في عصور لاحقة، لا سيما خلال حكم الغزنويين والتيموريين والصفويين، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم السبت. 

وتحولت مدينة هرات إلى مركز رئيسي لهذا الفن في القرن الخامس عشر، حيث نشأت مدارس فنية أرست أسسًا لتقاليد فنية استمرت لقرون.

وفي العصر الحديث، ومع تولي الملك أمان الله خان السلطة مطلع القرن العشرين، شهدت الفنون التشكيلية نهضة جديدة، وتأسست مدرسة الفنون الجميلة في كابول، ما أتاح المجال أمام أجيال جديدة من الفنانين والفنانات للتعبير عن أنفسهم في فضاءات حرة نسبيًا.

لكن هذا المسار تعرض لانقطاعات عنيفة، بدءًا من الغزو السوفييتي لأفغانستان عام 1978، وما تبعه من حروب أهلية مدمرة، وصولًا إلى سيطرة حركة طالبان عام 1996، التي عمدت إلى تدمير الآثار ومنع كافة أشكال التعبير الفني، لا سيما من قبل النساء.

هوية في وجه العتمة

رغم القيود الاجتماعية والدينية، تمكن عدد من الفنانات الأفغانيات من فرض وجودهن على الساحة الفنية، من بينهن الفنانة شهرزاد آريوبي، التي تميزت أعمالها بمزجها بين التجريد، والهوية النسائية، وروح الحداثة.

وحملت لوحات منيجة شفيق رسائل عن الألم والمقاومة والصمت الأنثوي في مواجهة القمع. بدورها، عكست ليلى أميري في أعمالها معاناة النساء والأطفال الأفغان المهاجرين، مستلهمة مواضيع الهجرة والحرب.

غير أن التاريخ لم يُنصف الكثير من الفنانات، إذ بقيت أسماء العديد منهن طي النسيان، نتيجة القمع الممنهج وهيمنة النظام الذكوري، خصوصًا في ظل حكم طالبان، الذي وضع حظرًا شبه تام على مشاركة النساء في الحياة العامة، بما في ذلك الفن.

جدار يحمل صرخة 

في إحدى ليالي الشتاء الباردة في العاصمة كابول، وتحت جنح الظلام، خرجت صايمة رضا، فتاة في السادسة عشرة من عمرها، لتنقل احتجاجها على جدران المدينة. 

كانت قد حُرمت من التعليم بعد استيلاء طالبان على الحكم مجددًا في عام 2021، لكنها لم تستسلم للصمت، بل اختارت أن تلوّن الجدران برسالتها.

قالت صايمة: "مع حكم طالبان، حُرمتُ من التعليم مثل ملايين الفتيات، لكني استلهمت قوتي من النساء اللواتي خرجن في مظاهرات وقوبلن بالقمع، وأردت أن أُسهم ولو برسم بسيط".

وأوضحت: "كانت المدرسة قريبة من نقطة تفتيش لطالبان، فانتظرت ليلة بلا قمر. حضرت المواد في المنزل، وخرجت بسرعة ورسمت الصورة خلال ساعتين. كنت أعلم أنني قد أُعتقل، لكن شعرت أن صوتي لا بد من أن يُسمع".

صمدت اللوحة التي رسمتها على جدار المدرسة لعدة أشهر، دون أن تُمحى. تعتقد صايمة أن عناصر طالبان لم يدركوا معناها، أو ربما تجاهلوها في ظل أولويات أخرى. لكنها لا تنوي التوقف: "أنوي مواصلة هذا الطريق، فالفن هو سلاحي الوحيد".

رسائل على الجدران

على مدى العقدين الماضيين، انتشر فن الرسم الجداري في أفغانستان، خاصة بين الفنانين الشباب والنساء، وكان وسيلة للتعبير عن قضايا اجتماعية وحقوقية، من تعليم الفتيات إلى رفض الحروب والمخدرات، لكن مع عودة طالبان، مُحيت معظم تلك الجداريات، وحلّت محلها شعارات تتعلق بلباس النساء والطاعة.

ورغم ذلك، لا تزال بعض الفنانات، مثل صايمة، يقاومن بطريقتهن، ويتركن بصمات صغيرة على جدران الصمت، في بلدٍ يحتاج بشدة إلى أصوات جديدة، وألوان تُعيد للحياة نبضها وللنساء مكانتهن.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية